-
Pages
-
Categories
-
Archives
- April 2024
- February 2024
- January 2024
- November 2023
- October 2023
- September 2023
- August 2023
- July 2023
- June 2023
- May 2023
- March 2023
- February 2023
- January 2023
- December 2022
- November 2022
- October 2022
- September 2022
- August 2022
- July 2022
- June 2022
- April 2022
- March 2022
- January 2022
- December 2021
- November 2021
- October 2021
- September 2021
- August 2021
- July 2021
- June 2021
- May 2021
- April 2021
- March 2021
- February 2021
- January 2021
- December 2020
- November 2020
- October 2020
- September 2020
- August 2020
- July 2020
- June 2020
- May 2020
- April 2020
- March 2020
- February 2020
- January 2020
- December 2019
- November 2019
- October 2019
- September 2019
- August 2019
- July 2019
- June 2019
- May 2019
- April 2019
- March 2019
- February 2019
- January 2019
- December 2018
- November 2018
- October 2018
- September 2018
- August 2018
- July 2018
- June 2018
- May 2018
- April 2018
- March 2018
- February 2018
- January 2018
- December 2017
- November 2017
- October 2017
- September 2017
- August 2017
- July 2017
- June 2017
- May 2017
- April 2017
- March 2017
- February 2017
- January 2017
- December 2016
- November 2016
- October 2016
- September 2016
- August 2016
- July 2016
- May 2016
- April 2016
- March 2016
- February 2016
- January 2016
- December 2015
- November 2015
- October 2015
- September 2015
- August 2015
- July 2015
- June 2015
- May 2015
- April 2015
- March 2015
- February 2015
- January 2015
- December 2014
- November 2014
- October 2014
- September 2014
- August 2014
- July 2014
- June 2014
- May 2014
- April 2014
- March 2014
- February 2014
- January 2014
- December 2013
- November 2013
- October 2013
- August 2013
- June 2013
- May 2013
- April 2013
- March 2013
- February 2013
- January 2013
- December 2012
- November 2012
- October 2012
- September 2012
- August 2012
- July 2012
- June 2012
- May 2012
- April 2012
- March 2012
- February 2012
- January 2012
- December 2011
- November 2011
- October 2011
- September 2011
- August 2011
- July 2011
- June 2011
- May 2011
- April 2011
- March 2011
- February 2011
- December 2010
- November 2010
- October 2010
- September 2010
- August 2010
- July 2010
- June 2010
- May 2010
- April 2010
- February 2010
- January 2010
- December 2009
- November 2009
- October 2009
- September 2009
- August 2009
- July 2009
- June 2009
- May 2009
- April 2009
- February 2009
- January 2009
- December 2008
- November 2008
- October 2008
- September 2008
- August 2008
- July 2008
- June 2008
- May 2008
- April 2008
- March 2008
- February 2008
- January 2008
- December 2007
- November 2007
- October 2007
- September 2007
- August 2007
- July 2007
- June 2007
- May 2007
- April 2007
- December 2006
- November 2006
- October 2006
Blogroll
قناة بهائية
كتب بهائية
مفاهيم بهائية
موقع يوتيوب بهائي
البهائية-ماهيتها
تفاسير بهائية
روحانيات
-
RSS Feeds
-
Meta
Monthly Archives: July 2012
وحدةُ العالمِ الإنساني 2-2
وحدةُ العالمِ الإنساني 2-2
منذ أكثر من مائة وستين عاماً خاطب حضرة بهاء الله في لوحِ الملكة فيكتوريا جمهورَ حكامِ أهلِ الأرض بقوله العظيم :
” تَدَبَّرُوا وَتَكَلَّمُوا فِي ما يَصْلُحُ بِهِ العالَمُ وَحالُهِ …..فَانْظُرُوا العالَمَ كَهَيْكَلِ إِنْسانٍ إِنَّهُ خُلِقَ صَحِيحاً كَامِلاً فَاعْتَرَتْهُ الأَمْراضُ بِالأَسْبابِ المُخْتَلِفَةِ المُتَغايِرَةِ وَما طابَتْ نَفْسُهُ فِي يَوْمٍ بَلْ اشْتَدَّ مَرَضُهُ بِما وَقَعَ تَحْتَ تَصَرُّفِ أَطِبَّاءَ غَيْرِ حَاذِقَةٍ الَّذِينَ رَكِبُوا مَطِيَّةَ الهَوَى وَكَانُوا مِنَ الهَائِمِينَ، وَإِذا طابَ عُضْوٌ مِنْ أَعْضائِهِ فِي عَصْرٍ مِنَ الأَعْصارِ بِطَبِيبٍ حاذِقٍ بَقِيَتْ أَعْضاءٌ أُخْرَى فِي ما كَانَ…”
…”(ألواح حضرة بهاء الله إلى الملوك والرّؤساء من منشورات دار النّشر البهائيّة في البرازيل رضوان 140, نيسان 1983.)
وأيضاً في نفس اللوح يتفضل بقوله الجليل:
“…إِنَّا نَرَاكُمْ فِي كُلِّ سَنَةٍ تَزْدادُونَ مَصَارِفَكُمْ وَتُحَمِّلُونَها عَلَى الرَّعِيَّةِ إِنْ هذا إِلاَّ ظُلْمٌ عَظِيمٌ، اتَّقُوا زَفَرَاتِ المَظْلُومِ وَعَبَرَاتِهِ وَلا تُحَمِّلُوا عَلَى الرَّعِيَّةِ فَوْقَ طاقَتِهِمْ ….أَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ إِذاً لا تَحْتاجُونَ بِكَثْرَةِ العَساكِرِ وَمُهِمَّاتِهِمْ إِلاَّ عَلَى قَدْرٍ تَحْفَظُونَ بِهِ مَمَالِكَكُمْ وَبُلْدَانَكُمْ….. أَنِ اتَّحِدُوا يا مَعْشَرَ المُلُوكِ بِهِ تَسْكُنُ أَرْياحُ الاخْتِلافِ بَيْنَكُمْ وَتَسْتَرِيحُ الرَّعِيَّةُ وَمَنْ حَوْلَكُمْ …. إِنْ قَامَ أَحَدٌ مِنْكُمْ عَلَى الآخَرِ قُومُوا عَلَيْهِ إِنْ هذا إِلاَّ عَدْلٌ مُبِينٌ.”)ألواح حضرة بهاء الله إلى الملوك والرّؤساء من منشورات دار النّشر البهائيّة في البرازيل رضوان 140, نيسان 1983.(
“إِنَّ المغزى الذي يكمنُ في هذه الكلماتِ الخطيرة هو أَنَّها تشير إٍلى أَنَّ كَبْحَ جِماحِ المشاعرِ المتعلقةِ بالسّيادة الوطنيّة المتطرِّفة أَمرٌ لا مناص منه كإجراءٍ أوَّلي لا يمكنُ الاستغناءُ عنه في تأسيسِ رابطة الشّعوب المتّحدة التي ستَنْتَمي إليها مُستقبلاً كلُّ دولِ العالم. فلا بُدَّ من حدوث تطورٍ يَقودُ إلى قيام شَكْلٍ من أشكال الحكومة العالميّة تخضع لها عن طِيبِ خاطرٍ كلُّ دولِ العالم، فتتنازلُ لصالحِها عن كلِّ حقٍّ في شنِّ الحروب، وعن حقوقٍ مُعيَّنة في فرضِ الضّرائب، وعن كلِّ حقٍّ أَيضاً يُسمَحُ لها بالتّسلُّح، إِلاَّ ما كان منه يَكفي لأغراضِ المحافظةِ على الأمنِ الدّاخلي ضمنَ الحدودِ المَعْنيَّة لكلِّ دولة. ويدورُ في فَلَكِ هذه الحكومةِ العالميّةِ قوّةٌ تنفيذيّةٌ دوليّة قادرةٌ على فرضِ سلطتِها العليا التي لا يمكن تحدِّيها من قِبَلِ أيّ مُعارضٍ من أَعضاءِ رابطة شعوبِ الاتِّحاد. يُضافُ إلى ذلك إِقامةُ بَرلَمانٍ عالميّ يَنتخِبُ أعضاءَه كلُّ شعبٍ ضمن حدودِ بلادِه، ويَحْظَى انتخابُهم بموافقةِ حكوماتِِِِهم الخاصّة، وكذلك تأسيسُ محكمةٍ عُليا يكون لقراراتِها صِفَةُ الإِلزام حتى في القضايا التي لم تكنْ الأطرافُ المَعنيَّةُ راغبةً في طرحِها أمامَ تلك المحكمة… إِنَّها جامعةٌ عالميّة تزول فيها إلىغير رجعةٍ كلَّ الحواجزِ الاقتصاديّة ويقوم فيها اعترافٌ قاطعٌ بأنَّ رأسَ المال واليدَ العاملةَ شريكان لاغِنَى للواحدِة منهما عن الآخر، جامعةٌ يتلاشى فيه نهائيّاً ضجيجُ التّعصّباتِ والمُنازعاتِ الدّينيّة، جامعةٌ تنطفئ فيها إِلى الأبد نارُ البغضاء العرقيّة، جامعةٌ تَسُودها شِرْعَةٌ قانونيّة دوليّة واحدة تكون تعبيراً عن الرّأي الحصيف الذي يَصِلُ إليه بعنايةٍ مُمثِّلو ذلك الاتِّحاد، ويجري تنفيذُ أحكامها بالتّدخُّل الفوريّ من قِبَل مجموع القواتِ الخاضعة لكلِّ دولةٍ من دولِ الاتِّحاد. وأخيراً إِنَّها جامعةٌ عالميّة يتحوَّلُ فيها التّعصّبُ الوطني المتقلِّبُ الأهواءِ، العنيفُ الاتِّجاهات، إلى إِدراكٍ راسخٍ لمعنى المواطِنيَّةِ العالميّة – تلك هي حقّاً الخطوطُ العريضةُ لصورةِ النّظامِ الذي رَسَمَه مُسبَقاً بهاء الله، وهو نظامٌ سوف يُنْظَر إليه على أنَّه أَينعُ ثمرةٍ من ثمراتِ عصرٍ يكتمل نُضْجُه ببطء”. )بَيْتِ العَدْلِ الأعْظَمِ , السّلامُ العَالميُّ وَعْدٌ حَقٌّ , تَرْجَمَةُ البَيَانِ الصَّادِرِ والموجَّه إلى شعوب العالم, الطّبعة الثّانية (عربي), من منشورات دار النّشر البهائيّة في البرازيل, شهر الشّرف 152 بديع, كانون الثّاني 1996م. ص 31-32.(
يخاطب حضرة بهاء الله أهلَ العالم بقوله العظيم :
” قَدِ ارْتَفَعَتْ خَيْمَةُ الاتِّحَادِ لاَ يَنْظُرْ بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ كَنَظْرَةِ غَرِيبٍ إِلَى غَرِيبٍ. كُلُّكُمْ أَثْمَارُ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَوْرَاقُ غُصْنٍ وَاحِدٍ…. يُعْتَبَرُ الْعَالَمُ فِي الْحَقِيقَةِ وَطَنَاً وَاحِدَاً وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ أَهْلُهُ.… لَيْسَ الْفَخْرُ لِمَنْ يُحِبُّ الْوَطَنَ بَلْ لِمَنْ يُحِبُّ الْعَالَمَ. ” )حضرة بهاء الله, مجموعة من ألواح حضرة بهاءالله (نَزَلت بعد الكتاب الأقدس), ص 144-147-148.(
لكي لا يكـون هنـاك أدنى شـكٍ أو ريب في الهـدفِ والغايـةِ النضـرةِ لرســالةِ حضــرة بهاء الله العالمي النطاق فإن الدينَ البهائي يكون : “بعيداً عن أيّة محاولة لتقويض الأُسُسِ الرّاهنة التي يقوم عليها المجتمعُ الإنسانيّ، يسعى مبدأُ الوحدة هذا إلى توسيعِ قواعدِ ذلك المجتمع، وإعادةِ صياغةِ شكلِ مؤسّساتِه على نحوٍ يَتَناسَقُ مع احتياجات عالمٍ دائمِ التّطوّر. ولن يتعارضَ هذا المبدأُ مع أي ولاءٍ من الولاءاتِ المشروعة، كما أنه لن ينتقِصَ من حقِّ أي ولاءٍ ضروريِّ الوجود. فهو لا يستهدفُ إطفاءَ شُعْلَة المحبّةِ المتَّزنة للوطنِ في قلوبِ بني البشر، ولا يسعى إلى إزالةِ الحكمِ الذّاتيّ الوطنيّ، الذي هو ضرورةٌ ملحَّةُ إِذا ما أُرِيدَ تجنُّبَ الشّرورِ والمَخاطر النّاجمةِ عن الحكمِ المركزيّ المُبالََغ فيه. ولن يتجاهلَ هذا المبدأُ أو يسعى إِلى طَمْسِ تلك الميّزات المتَّصلة بالعِرق، والمناخ، والتّاريخِ، واللّغةِ والتّقاليد، أوالمتعلّقةِ بالفكرِ والعادات، فهذه الفوارقُ تُميِّزُ شعوبَ العالمِ ودُوَلََه بعضها عن بعض. إِنَّه يدعو إلى إقامةِ ولاءٍ أَوسع، واعتناقِ مطامحٍ أسمى، تَفُوق كلَّ ما سَبَقَ وحَرَّك مشاعرَ الجنسِ البشريّ في الماضي. ويؤكِّدُ هذا المبدأُ إِخضاعَ المشاعرِ والمصالح الوطنيّةِ للمتطلَّباتِ الملحَّة في عالم مُوحَّد، رافضاً المركزيّةَ الزائدةَ عن الحدِّ من جهة، ومُستنكِراً من جهةٍ أخرى أيّةَ محاولةٍ من شأنِها القضاءُ على التّنوّع والتّعدّد. فالشِّعارُ الذي يَرْفعه هو: “الوحدةُ والاتِّحاد في التّنوّعِ والتّعدّد”.)بَيْتِ العَدْلِ الأعْظَمِ , السّلامُ العَالميُّ وَعْدٌ حَقٌّ, ص 29.(
كما تفضل حضرة عبد البهاء بقوله الكريد\
” لاحظوا أزهارَ الحدائقِ : فمهما اختلفَ نوعُها وتفاوتت ألوانُها وتباينت صورُها وتعدّدت أشكالُها إنّها لمّا كانت تُسقى من ماءٍ واحد، وتنمو من هواءٍ واحد، وتترعرع من حرارةِ وضياءِ شمسِ واحدةٍ فإنّ تنوّعَها واختلافَها يكون سببًا في ازديادِ رونقها وجمالِها. وكذلك الحال إذا برز إلى حيّز الوجودِ أمرٌ جامع – وهو نفوذُ كلمةِ الله – أصبح اختلافُ البشرِ في الآدابِ والرّسومِ والعاداتِ والأفكار والآراءِ والطّبائعِ سببًا لزينةِ العالمِ الإنسانيّ.
أضف إلى هذا أنّ هذا التّنوّعَ والاختلافَ سببٌ لظهورِ الجمالِ والكمال، مثلُه في ذلك مثلُ التّفاوتِ الفطريّ والتّنوّعِ الخَلْقيّ بين أعضاءِ الإنسان الواقعةِ تحت نفوذِ الرّوحِ وسلطانِها. فإذا كانت الرّوحُ مسيطرةً على جميعِ الأعضاءِ والأجزاء، وكان حكمُها نافذًا في العروقِ والشّرايين كان اختلافُ الأعضاءِ وتنوّعُ الأجزاءِ مؤيّدا للائتلافِ والمحبّةِ وكانت هذه الكثرةُ أعظمَ قوى للوحدةِ.
ولو كانت أزهارُ الحديقةِ ورياحينها وبراعمُها وأثمارُها وأوراقُها وأغصانُها وأشجارُها من نوعٍ واحد ولونٍ واحد وتركيبٍ واحد وترتيبٍ واحد لما توفر لمثلِ تلك الحديقةِ أيّ رونق ولا جمال بأيّ وجه من الوجوه. أمّا إذا تعدّدتْ ألوانُها واختلفت أوراقُها وتباينت أزهارُها وتنوّعت أثمارُها تسبّب كلُّ لون في زينةِ سائرِ الألوان وإبرازِ جمالِها وبرزتْ الحديقةُ في غايةِ الأناقةِ والرّونقِ والحلاوة والجمال. كذلك الحالُ في تفاوتِ الأفكار، وتنوّعِ الآراء والطّبائعِ والأخلاق في عالمِ الإنسان. فإنّها إذا استظلّتْ بظلِّ قوّةٍ واحدة، ونَفَذَتْ فيها كلمةُ الوحدانيّةُ تجلّتْ وهي في نهايةِ العظمة والجمال والعلويّة والكمال. ولا شيء اليوم يستطيع أن يجمعَ عقولُ بني الإنسان وأفكارُهم وقلوبُهم وأرواحُهم تحت ظلّ شجرةٍ واحدةٍ غيرَ قوّةِ كلمةِ الله المحيطة بحقائقِ الأشياء.” )حضرة عبد البهاء, خطبُ عَبد البَهَاء في أوروبا وأمريكا, الطّبعة الثّانية, من منشورات دار النّشر البهائيّة في البرازيل, شهر النور 155 بديع تمّوز 1998م. ص 18-19.(
إن نداءَ حضرةِ بهاء الله وتعاليمَه في المقامِ الأول يخالفُ كلَّ أنواعِ الانعزالِ وضيقَ الأفق , النزعةَ الإقليمية والتعصبَ. متى تصبح المثلُ التي طالما تشبثتْ بها المؤسساتُ العريقةُ، فرضياتٌ دينيةٌ معينة، والنظمُ الدينيةُ غيرَ قادرةٍ على ترويجِ رفاهيةَ وسعادةَ الجنسِ البشري قاطبةً وخدمةِ احتياجاتِ عالمٍ بشري دائمِ التطور، فلا بد أن تزالَ وتُهمَلَ وتتنزَّلَ إلى درجةِ الأفكارِ والعقائدِ المندثرةِ المنسية؛ لماذا يجبُ أن تُستثنى من التدهورِ الذي يلحقُ بأي أنظمةٍ إنسانية، في عالمٍ يخضعُ لقانونِ التغييرِ والتبديلِ الدائم؟ لأنه حسب المعاييرِ القانونية فإن أيَّ قانونٍ أو مكتبٍ سياسي واقتصادي خُلِقَ لكي يحافظَ على المنافعِ البشريةِ وليس لأن تُضطََهَدَ الإنسانيةُ من أجلِ الحفاظِ على سلامةِ ذلك القانونٍ أوالعقيدة .
“إن مبـدأَ وحــدةِ الجنس البشـري وهو المحـورُ الذي تـدورُ حولَه جميـعُ تعاليـمِ حضـرة بهاء الله ليس مجردَ إحساسٍ متدفقٍ أو تعبيرٍ مبهمٍ أو أملٍ زائف..” مناشدتُه ليس لإحياءِ روحِ الأخوةِ البشرية أو رغبةً لبذلِ الخير للآخرين فحسب أو أنه يسعى ويطمحُ لحصول تعاونٍ وتعاضدٍ بين أفرادِ البشرِ والمللِ والأقوامِ, بل هدفُه أكثرُ عمقاً ودعواه أكثرُ عظمة ” ويتعلق أساسًا بطبيعةِ العلاقاتِ الرئيسيةِ التي يجبُ أن تربطَ بين الدولِ والأممِ باعتبارِهم أعضاءَ في عائلة إنسانية واحدة.” إنه لم يُعلِن مُثَلاً وأهدافا عاليةً فحسب بل يقف متلازما وجنبا إلى جنب مع مؤسساتِ تُجسِّدُ الحقيقةَ الذاتيةَ لأصلِ وحدةِ العالمِ الإنساني وتُظهِرُ جليا شرعيتَها و ثبوتَها وتُخَلِّد تأثيرَها ونفوذَها. ” وإنه يتطلب تغييرا عضويا في هيكلِ المجتمع الحاضر على نحو لم يشهدْ العالمُ مثلَه من قبل.”,,أصلُ وحدةِ العالم الإنساني يتضمنُ تحديا جريئا , مقداما وعالميا مع المعاييرِ والشعارات الباليةِ لعقائدَ ومبادئَ قوميةٍ وطنيةٍ والتي كانت موضعَ إجراءٍ وإلزام في زمانِها ولكن الآن مع التقديرِ والعنايةِ الإلهية فقد منحَ مكانَه لعقائدَ ومبادئَ جديدةٍ والتي في الأساسِ هي متفاوتةٌ مع العقائدِ السابقة وأفضلُ منها جميعا ,” انه يدعو إلى إعادةِ بناءِ العالمِ المتحضر برمّتِه ونزعِ سلاحِه..” )ما بين الأقواس مأخوذ من , الكنوز الإلهية, مبادئ وتعاليم وأحكام الدين البهائي, من منشورات دار النشر البهائية في البرازيل شهر المشيئة162بديع, تشرين الأول 2005 م. ص 492- 493(…. عالمٌ يكون بمثابةِ هيكلٍ متحدٍ عضويا و متناسقِ الأجزاءِ في جميعِ الجوانبِ الجوهريةِ لحياتِه ونُظُمِه السياسية وآمالِه الروحانية وتجارتِه واقتصادِه , خطِه ولغتِه وفي نفسِ الوقت تحتفظُ الدولُ الممثلةُ لتلك الحكومةِ المتحدةِ العالمية والتي تُعتبَرُ عضواً فيها بخصائصِها المركزية بكلِّ حرية.
أصلُ وحدةِ العالم الإنساني يمثلُ قمةَ تطورِ وتكامل بني الإنسان الذي بدأ بداياتِه الأولى بحياةِ العائلة ثم تطوَرَ حينما حققَ اتحادَ القبيلةِ الذي أدى إلى تأسيسِ الحكومة المدنية ثم توسَعَ ليؤسسَ حكوماتٍ وطنيةً مستقلةً ذاتَ سيادة. إن مبدأَ وحدةِ الجنس البشري كما أعلنه حضرةُ بهاء الله يقوم على تأكيدٍ شديد بأن الوصولَ لهذه المرحلةِ النهائية من هذا التطورِ العظيم ليس ضروريًا فحسب بل حتمي الوقوع وان ميقاتَ تحقيقِه أخذ يقتربُ بسرعة ولا يمكن تحققه بغير قوةٍ إلهيةِ المصدر. )ما بين الأقواس مأخوذ من , الكنوز الإلهية, مبادئ وتعاليم وأحكام الدين البهائي إعداد وترجمة عبد الحسين فكري, من منشورات دار النشر البهائية في البرازيل شهر المشيئة162بديع, تشرين الأول 2005 م. ص 492- 493.(
لا أحد يدري كم ستشهدُ البشرية من المصائبِ والآلامِ التي لم يسبقْ لها مثيلٌ وذلك من أجل يتحققَ هذا المفهومُ وهذه الفكرةُ الساميةُ أي تشكيلُ جامعة عالمية. وهل كان لغيرِ نارِ الحربِ الأهلية بكلِّ عنفِها , قسوتِها وشدتِها والتي كادت أن تمزِّقَ جمهوريةَ أمريكا الشمالية العظمى أن تذيبَ دولَ أمريكا الموجودةِ في ذلك الزمان في لهيبِها وتوحـدَهم لكي يلتئموا ليس كوحداتٍ مستقلـة في اتحاديـةٍ بل وعلى الرغم من الاختلافِ العرقي, أن تجمعَهم كشعبٍ وأمةٍ تحت ظلِّ وطنٍ واحد ؟ من المستبْعَدِ للغايةِ أنَّ يكون بالإمكان إحرازُ تحولٍ أساسي عظيمٍ و تغيرٍ جوهري يشملُ بنيانَ المجتمعِ الأمريكي بوساطةِ الطرق الدبلوماسيةِ المعتادة أو عن طريقِ تعليم وتنميةِ الأفكار. يكفي أن ننظرَ إلى التاريخِ الدموي للبشر حتى ندركَ بأنه لم يكنْ هناك عاملٌ إلا العذابَ والمصائبَ والآلامَ الشديدةَ الجسمانية والمعنوية استطاعَ أن يُُعجِّلَ في حدوثِ تغييراتٍ عظيمة في تاريخِ البشرية والذي يشَكِّلُ أكبرَ و أجلَّ الوقائعِ في تاريخِ الحضارةِ الانسانية .
إن هذه التغييراتُ والتحولات ذات الأهميةِ الكبرى والبعيدةِ المـدى كما تمَّــتْ في الماضي ، عندما يُنظَرُ إليها في سياقِها الصحيح لم تكنْ إلا وسائلَ ووسائطَ هي بمثابةِ مقدِّمةٍ لذلك التحولِ الذي لم يسبق له مثيلٌ في جلالِه, وفخامتِه وقدْرِه وكان لابد للجنسِ البشري أن يخضعَ له في هذا العصر. إن القوى الكارثيةَ والنكبةَ العالميةَ والتي يمكنها وحدها أن تعجِّلَ مرحلةً جديدةً من الفكرِ الإنساني أصبحت للأسف متجليةً بصورةٍ متزايدة. لا شيء غيرُ نيرانِ محنةٍ شديدة لا مثيلَ لها في حدتِها يمكن أن تذيبَ العواملَ المتباينةَ والمتعارضة التي تشكِّلُ عناصرَ الحضارةِ القائمة اليوم, إلى عناصرَ لا تتجزأُ في جامعة ديمقراطيةٍ عالمية للمستقبلِ وهي حقيقةٌ سوف تثبتُها الأحداثُ في المستقبل بشكلٍ متزايد.
يتفضل ُحضرة بهاء الله في الفقرات الأخيرة من الكلمات المكنونة بقوله العظيم :
” قل يا أهلَ الأرضِ اعلموا علمَ اليقين أنّ من ورائِكم بلاءً مباغتاً وأن في أعقابِكم عقاباً عظيماً يتعقّبكم …..”) حضرة بهاء الله , الكلمات المكنونة الفارسية, رقم 63.(
لعل هذا الإنذارَ يُلقي بالضوءِ الساطعِ على المصيرِ الراهنِ للبشريةِ الكئيبة الحزينة. فليس هناك غيرُ المحنةِ المتّقِدةِ الملتهبةِ, والتي سوف تنبثقُ منها البشريةُ طاهرةً ومستعِدَّة, تستطيعُ أن تغرُسَ الإحساسَ بالمسئوليةِ لهذا العصرِ الحديث والذي يجب على رؤساءِ العالم أن يحملوه على عاتقِهم.
مرة أخرى أُشير إلى بيان حضرة بهاء الله حيث يتفضل :
” إذا تمت الميقاتُ يظهر بغتةً ما ترتعدُ به فرائصُ العالمِ …”
كلمةٌ أخيرةٌ في نهاية المقال . إن إعلانَ وحدةُ العالم الإنساني ـــ والذي هو أسُ أساسِ السيادة والسلطنةِ الشاملة الروحانية لحضرة بهاء الله ـــ لا يمكن تحت أي ظرفٍ من الظروف أن يقارَنَ بتعابيرٍ تفوه بها السابقون من ذوي الآمالِ الحكيمةِ المخلصة. إن دعوةَ حضرة بهاء الله لم تكن نداءً أعلنه وهو منفي وسجينٌ , وحيدٌ وبلا ظهيرٍ أونصيرٍ في مواجهةِ سلطانين مستبدين ومقتدرين في الشرق فحسب بل أن دعوتَه شملَتْ في نفسِ الوقت إنذاراً و وعيداً من جهةٍ وبشارةً و وعداً من جهةٍ أخرى , وعيدٌ تكمنُ فيه العواملُ الوحيدةُ لخلاصِ ونجاة العالمِ المعذَّب المتألمإلى حدٍ كبير, وبشارةٌ بأن تحقيقَ ذلك هو في متناولِ اليد.
ارتفعَ نداءُ وحدةِ العالمِ الإنساني في وقت لم يكن بإمكانِ أحدٍ تخيلُه وتصورُه بجديةٍ في أي بقعةٍ من بقاعِ العالم, ولكن حضرة بهاء الله بفضلِ القوةِ السماوية نفخَ فيه روحاً جديداً مما أدى في نهايةِ المطاف أن يُجَلَّ ذلك النداءُ ويُنظَرُ إليه من قِبَل عددٍ متزايدٍ من رجالِ الفكرِ والمعرفةِ بأن احتمالَ تحقُقِه ليس وشيكاً فحسب بل إنه نتيجةٌ حتميةٌ وضروريةٌ للقوى التي تعملُ في العالمِ اليوم .
بلا ريب أن العالمَ في هذه الآونةِ قد تقلصَ وتحوَّلَ إلى كائنٍ حي واحدٍ متشابكٍ إلى حدٍ بعيد, وذلك نتيجةَ التقدمِ السريع الرائعِ للعلومِ الماديةِ الطبيعيةِ وبسببِ التوسعِ الصناعي والتجاري على مستوى العالم , وهو الآن يكافحُ تحت وطأة الاقتصادِ العالمي فيقفُ وسط خطرِ ومأزقِ الحضارةِ المادية وهو بحاجةٍ ماسةٍ إلى إعادةِ النظر في الحقيقةِ المكنونةِ في هويةِ الأديانِ السابقة بلغةٍ تناسبُ احتياجاتِه وضروراتِ هذا الزمان.
وأيُ نداءٍ غيرُ نداءِ حضرة بهاء الله المظهرِ الإلهي لهذا العصرِ قادرٌ على إحداثِ تحولٍ جذري في المجتمع كالذي أوجده في قلوبِ هؤلاء الرجالِ والإماء الذين كانوا فيما يبدو مختلفين ولا يمكن التوفيق بينهم وهم الآن يشكِّلون زمرةَ أتباعِه المؤمنين في أرجاءِ العالم ؟
قليلون هم الذين يمكن أن يشكوا بأنَّ وحدةَ العالمِ الإنساني ــ أي هذا المفهومُ العظيم ــ بدأت تظهرُ براعمُه في أذهانِ الناس وبأن الأصواتَ ترتفعُ لحمايتِه والخواصَ المتميزةَ له تتبلورُ وتتجسَّدُ في وعي وشعورِ المسئولين من أصحابِ السلطة. فقط هؤلاء الذين أفسَدَ التعصبُ قلوبَهم يمكن أن يفشلوا في تصورِ المفهومَ العظيمَ لوحدةِ العالمِ الإنساني في مراحلِه البسيطةِ والابتدائية والذي أخذ يتبلورُ في قالبِ المؤسساتِ العالميـةِ لأتباعِ حضرة بهاء الله.(نداء لأهل العالم-حضرة شوقي أفندي)
[1] لوح نَزَل من القلم الأعلى للملكة فيكتوريا في حدود عام 1870م.
الدينُ البهائي يدورُ حولَ ثلاثِ شخصياتٍ محوريةٍ عظيمةٍ وبارزة
الدينُ البهائي يدورُ حولَ ثلاثِ شخصياتٍ محوريةٍ عظيمةٍ وبارزة
http://hanasalaah.maktoobblog.com/1605033/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86%D9%8F-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%87%D8%A7%D8%A6%D9%8A-%D9%8A%D8%AF%D9%88%D8%B1%D9%8F-%D8%AD%D9%88%D9%84%D9%8E-%D8%AB%D9%84%D8%A7%D8%AB%D9%90-%D8%B4%D8%AE%D8%B5%D9%8A%D8%A7/
وحدةُ العالمِ الإنساني 1-2
وحدةُ العالمِ الإنساني 1-2
إن البشريةَ سواء أُخِذَت بعينِ الاعتبار في ضوءِ السلوك الفردي أو من حيث العلاقاتِ القائمة بين المللِ والمجتمعاتِ المنظمة قد تاهتْ وضلتْ سبيلَها للأسف وعانتْ وقاستْ تدهورا وأفولا ساحقاً لا يمكنُها الخلاصَ منه عن طريق مساعي السياسيين وجهودِهم ورجالِ الدولةِ مهما كانت دوافعُهم نزيهةً ونواياهم صادقةً وأسلوبُ عملِهم مدبّراً ومنظماً وكانوا أسخياءَ في حماسِهم وإخلاصِهم وتفانيهم لقضيتِها. لا تستطيعُ أيٌّ من الخططِ والمشاريعِ التي تبتكرُها وتبتدعُها حساباتُ رجالِ الدولةِ ذوي المستوى الرفيعِ , أو أيٌّ من المبادئِ والأصولِ التي يأملُ ممثلو ومؤيدو النظريةِ الاقتصادية تقديمَها , أو أيٌّ من التعاليمِ التي يسعى الأخلاقيون الأكثرَ حماساً وغيرةً إلى طبعِها في الأذهانِ أو تلقينها , أن توفرَ في نهايةِ المطافِ أسساً و قواعدَ متينةً يمكن أن يُبنَىٰ عليها مستقبلُ العالمِ التائهِ والمتحير.
لا تستطيعُ أيُّ مناشدةٍ للتسامحِ المتبادلِ من قبلِ الخبراءِ وذوي الثقافةِ الرفيعة مهما كانت مقنعةً ولافتةً للنظرِ أن تهدِّئَ من انفعالِ البشريةِ وشغفِها أو تساعدَ في تجديدِ قواها ونشاطِها. لا يمكنُ لأيِّ خطةٍ عامةٍ وشاملةٍ لمجردِ تنظيمِ التعاونِ الدولي في أي مجالٍ من الأنشطةِ الإنسانية مهما كان مفهومُها مبدعاً ومجالُها شاملاً أن تنجحَ في قلعِ جذورِ الفسادِ التي أخلَّتْ بتوازنِ المجتمعِ الراهن. إنني أجرؤ على التأكيد بأن مجردَ وضعِ الآلياتِ اللازمةِ لإيجادِ الاتحادِ السياسي والاقتصادي العالمي ــ وهو مبدأٌ مؤيَّدٌ بشكلٍ متزايدٍ في الآونةِ الأخيرة ــ لا يوفر في حد ذاته درياقا للسمِّ المهلكِ الذي يقوِّضُ وباطرادٍ قوةَ الشعوبِ ونظمَ المللِ.
إذاً لا يبقى إلا أن نجزمَ بجرأةٍ وثقةٍ بقبولٍ كاملٍ وتامٍ للخطةِ الإلهيةِ التي أعلنها حضرةُ بهاء الله بمنتهى البساطةِ والقوةِ ( قبل ستين سنة) في القرنِ التاسع عشر, والذي يُجسِّدُ في جوهرِه وماهيتِه الخطةَ التي طرحها اللهُ لوحدةِ البشر في هذا العصرِ والزمان مقروناً بإيمانٍ راسخ لا يُقهَر بالكفاءةِ الثابتة لكل بندٍ من بنودِ هذه الخطةِ والقادرةِ في نهايةِ المطافِ أن تقاومَ قوى التفككِ الداخلي التي إذا تُرِكت بلا رقابةٍ سوف تنْتَقِصُ من الجسمِ العليلِ والمأيوسِ للمجتمعِ الإنساني. ويجب على البشريةَ َ المنهكةَ المغلوبة على أمرها أن تكافحَ وتناضلَ لكي تتجه إلى هذا الهدفِ ألا وهو النظمُ البديعُ العالمي, النظم الذي أساسُه إلهي ونطاقُه جامعٌ وعالمي وأصولُه ترتكزُ على العدلِ والإنصافِ وسماتُه مَدعاةٌ للتحدي.
إن الإدعـاءَ بفهمِ كلَّ النتائجِ والنقاطِ الدقيقـةِ للخطـةِ العظيمةِ الجليلـةِ لحضــرة بهاء الله لوحدةِ العالمِ الإنساني أو معرفةِ كنهِ أهميتِها مبالغٌ فيه حتى من قِبَلِ الأتباع المؤيدين لهذا الدينِ القويم وإن السعيَ في تصورِ وتخيلِ جميعِ إمكانات تلك الخطةِ العظيمةِ أو النظمِ البديع وتقييمَ فوائدَه المستقبليةَ وتخيلَ مجدِه وجلاَلِه سيكون سابقاً لأوانِه حتى في هذه المرحلةِ من تطورِ العالمِ الإنساني.
كل ما بوسعِنا أن نقدم عليه وعلى نحوٍ معقولٍ هو السعي للحصولِ على بارقةٍ خاطفةٍ لأولِ شعاعٍ للفجرِ الموعودِ والذي سوف يُزيلُ ظلماتِ العالم الإنساني في الميقاتِ المقررِ له وكل ما نستطيعُ القيامَ به هو أن نبادرَ بذكرِ نبذةٍ إجماليةٍ للمبادئِ الأساسيةِ للنظمِ البديعِ لحضرةِ بهاء الله .
إن أكثرَ الاضطرابِ والمعاناةِ التي ابتُليتْ بها البشريةُ هو نتيجةٌ مباشرةٌ ولا يستهانُ بها للحربِ العالميةِ *[1] وغفلةِ واضعي معاهداتِ الصلحِ والسلام وضعفُ بصيرتِهم. على أيِّ حال ليس صحيحا أن نقولَ بان الحربَ العالميةَ بكلِ ما كانت تحملُه من خسائرَ في الأرواحِ ورغمَ الغضبِ والانفعالاتِ التي أثارَتها , والضيمِ والمظالمِ التي خلفتْها , هي وحدُها فقط مسئولةٌ عن الاضطرابِ والبلبلةِ والحيرةِ التي قد أحاطت كلُّ جزءٍ من أجزاءِ المدنيةِ العالمية. إن جوهرُ الفكرةِ الذي يجب أن أؤكد عليه هو أن نتساءلَ أين يكمنُ السببُ الأصلي للاضطرابِ في العصرِ الحاضر ؟ علينا أن لا نعزو كلَّ ذلك القلقِ والبلبلةِ إلى الحوادثِ التي هي من مقتضياتِ المرحلةِ المؤقتةِ لتحوّلِ هذا العالمِ الدائمِ التغيير , بل أن السببَ الأصلي يكمُن في إخفاقِ أولئك الذين يقع في قبضة قدرتِهم مصيرُ الأفرادِ والمللِ أن يلائموا بين النظمِ الاقتصاديةِ والسياسية واحتياجاتِ ومتطلباتِ العصرِ السريعِ الانتقال .
أليست هذه الأزماتُ المتعاقبةُ والمتتابعةُ والتي تزعزعُ كيانَ المجتمعِ الحالي سببَها في المقامِ الأول هو العجزُ المؤسفُ لرؤساءِ و زعماءِ العالمِ من أن يقوموا بالتشخيصِ و القراءةِ الصحيحة لمقتضياتِ العصر وأن يحرروا أنفسَهم بصورةٍ نهائية من الأفكارِ المسلمِّ بها مسبقا و من أغلالِ الاعتقاداتِ و يغيّروا آلياتِ أجهزةِ حكوماتِهم حتى تطابقَ موازينَ وحدةِ العالم الإنساني التي أعلنها حضرةُ بهاء الله وجعلها المقصدَ الجوهري والرئيسي والوجهَ المميزَ لرسالتِه ؟ لأن أصلَ وحدةِ العالم الإنساني والذي هو حجرُ الأساسِ للنظامِ العالمي لحضرة بهاء الله لا يمكنُ تحقيقُه إلا بإجراءِ وتنفيذِ خطتِه ومشروعِه البديع لإتحاد البشر والذي أشرنا إليه سابقاً.
يتفضل حضرة عبد البهاء :
“في كلِّ ظهورٍ عندما أشرقَ صبحُ الهدى كان موضوعُ ذلك الإشراقِ أمراً من الأمور, أما في هذا الدورِ البديعِ والقرنِ الجليل أساسُ دينِ الله وموضوعُ شريعةِ الله هو الرأفةُ الكبرى والرحمةُ العظمى والألفةُ مع جميعِ المللِ والصداقةُ والأمانةُ والمحبةُ الصميميةُ القلبيةُ مع جميعِ الطوائفِ والنحلِ وإعلانُ وحدةِ العالمِ الإنساني. ” (ترجمة)
كم هي محزنةٌ تلك المساعي والجهودِ لزعماءِ مؤسساتِ الجامعةِ البشرية الذين هم في جهلٍ تام لروحِ العصر ويريدون أن يطبقوا الموازينَ العتيقةَ ــ لمللٍ كانت ترتبطُ بعصورٍ متحفظةٍ ومستغنيةٍ في حدودِها وثغورِها عن غيرها من سائر الأمم ــ على عصرٍ إما عليه أن يَبلُغَ هدفَ تحقيقِ وحدةِ العالم الإنساني كما أشار إليه حضرة بهاء الله أو أن يَفنَىٰ ويَهلَك . عند هذه اللحظةِ الخطيرة جدا في تاريخِ العالم المتمدن ينبغي لرؤساءِ وزعماءِ الدول والشعوبِ الصغيرةِ منها والكبيرة سواء كانت في الشرقِ أو الغرب وسواء أكانت غالبةٍ أو مغلوبةٍ أن يلبوا نداءَ حضرة بهاء الله بإحساس بالتضامنِ والتزامِ بالشرطَ الذي لا غنى لهم عنه وهو الولاءُ لأمرِه العظيم وأن يقوموا ببسالةٍ بالتنفيذِ التامِ والكاملِ للعلاجِ الشافي الذي وصفَه ونصحَ باستعمالِه الطبيبُ الرباني للبشريةِ الكليلةِ السقيمة وينبذوا الأفكارَ المسلمَ بها جدلا ويتركوا جميعَ التعصباتِ القومية ويلبوا باهتمامٍ وعنايةٍ النداءَ الرفيـعَ الجليـلَ لحضـرةِ عبد البهاء المبيِّنِ المنصوصِ والذي خاطبَ به أحدَ أصحاب المناصبِ العاليةِ في الحكومةِ الفدراليةِ الأمريكية مجيباً حضرته عن سؤالِه بخصوصِ كيفيةِ خدمتِه لدولتِه وشعبِه والسعي إلى رقيهِم بطريقةٍ أفضل ببيانِه الكريم:
” كما أنك تجتهدُ وتكافحُ في جلبِ وجذبِ الخيرِ لأمريكا يجب أن تكون لديك نخوةٌ وتكون محباً للخيرٍ لجميعٍ الملل و أهلِ العالمِ وحيث تعتبرُ العالمَ وطنَك يجب أن تسعى في تطبيقِ مبدأِ الحكومةِ الفدراليةِ كما هو معمولٌ به في حكومةِ أمريكا بين كافةِ المللِ والأقوام .” ( ترجمة)
يتفضل حضرة عبد البهاء في الرسالةِ المدنية والتي تحتوي على مواضيعَ هامةٍ عن تجديدِ النظامِ العالمي في المستقبلِ ببياناتِه الجليلةِ الآتية :
” نعم إنّ التّمدّنَ الحقيقيّ لينشرَ أعلامَه في قطبِ العالم عندما يتقدّمُ ذوو الهمّةِ العاليةِ من أعاظمِ الملوكِ الّذين هم مشرقون كالشّمسٍ في عالمٍ الغيرةٍ والحميّة، ويعملون بالعزمِ الأكيدِ والرّأي السّديدِ على خيرِ البشرِ وسعادتِه، فيطرحون مسألةَ السّلامَ العامَ في مجالِ المشورةِ ، ويتشبّثون بجميعِ الوسائلِ والوسائطِ ويعقدون مؤتمرًا عالميًا، ويبرمون معاهدةً قويّةً، ويؤسّسون ميثاقًا بشروطٍ محكمةٍ ثابتةٍ فيعلنونها، ثمّ يؤكّدونها بالاتّفاقِ مع الهيئةِ البشريّة بأسرِها، فيعتبِرُ كلُّ سكّانِ الأرضِ هذا الأمرَ الأتمَّ الأقومَ الّذي هو في الحقيقةِ سببُ اطمئنانِ الخليقةِ أمرًا مقدّسًا، ويهتمُّ جميعُ قوى العالم لثباتِ هذا العهدِ الأعظمِ وبقائِه، ثم تُعيَّنُ حدودُ كلِّ دولةٍ وتُحدَّدُ ثغورُها في هذه المعاهدةِ العامّةِ ، ويُعلَنُ بوضوحٍ عن مسلكِ كلِّ حكومة ونهجِها، وتتقرّرُ جميعُ المعاهداتِ والاتّفاقاتِ الدّوليّةِ وتتحدّدُ الرّوابطُ والضّوابطُ بين هيئةِ الحكومةِ البشريّة. وكذلك يجبُ أن تكون الطّاقةُ الحربيّةُ لكلِّ حكومةٍ معلومةً ومحدّدةً ، ذلك لأنّه إذا ازدادتْ الاستعداداتُ الحربيّةُ والقوى العسكريّةُ لدى إحدى الدّولِ ، كان ذلك سببًا لتخوّفِ الدّولِ الأخرى.
وقصارى القول يجب أن يُبنى هذا العهدُ القويمُ على أساسِ إنّه إذا أخلّتْ دولةٌ ما بشرطٍ من الشّروطِ من بعد إبرامِه قامت كلُّ دولِ العالمِ على اضمحلالِها، بل هبّتْ الهيئةُ البشريّةُ جميعًا لتدميرِها بكلِّ قوّتِها.
فإن فاز جسمُ العالَمِ المريضِ بهذا الدّواءِ الأعظم لاكتسبَ بلا ريب الاعتدالَ الكامل ونال شفاءً دائمًا.” (حضرة عبد البهاء , الرّسالة المدنيّة , ترجمة بهيّة فرج الله كيوليك , من منشورات دار النّشر البهائيّة في البرازيل رضوان عام 143 بديع نيسان1986. ص 42-43).
و متابعة لبيانِه المبارك يتفضل حضرته :
” ويعتبرُ بعضُ من لا علمَ لهم بعلوِّ همّةِ الإنسان أنّ هذا الأمرَ في غايةِ التّعقيدَ والإشكال بل من ضروبِ المحال، وليس الأمرُ كذلك، فما من أمرٍ في الوجودِ مستحيلٌ تحقيقُه بفضلِ الله وعنايةِ مقرّبي عتبتِه وهمّةِ الأنفسِ الكاملةِ الماهرة الفريدةِ وأفكارِهم الفذّة وآرائِهم السّديدةِ، فالهمّةُ الهمّةُ! والغيرةُ الغيرةُ! فكم من أمرٍ كان في الأزمنةِ السّابقة يُعتَبَرُ من قبيل ِالممتنعات حيث أن العقولَ لم تكن تتصوّرُ وقوعَه قطّ، أمّا اليوم فقد أصبح كما نرى سهلا متيسّرا، وكيف إذًا يمكننا أن نفترضَ استحالةَ هذا الأمرِ الأعظم الأقوم الّذي هو في الحقيقةِ شمسُ عالمِ المدنيّةِ النّوراء، وسببُ الفوزِ والفلاحِ والرّاحةِ والنّجاح؟ فلا بدّ من أن يتجلّى شاهدُ هذه السّعادة في مجمعِ العالم آخِرَ الأمر، ذلك لان الآلاتِ والأدواتِ الحربيّةَ ستبلغُ مبلغًا يجعلُ الحربَ فوق طاقةِ الهيئة البشريّة.” (حضرة عبد البهاء , الرّسالة المدنيّة , ترجمة بهيّة فرج الله كيوليك , من منشورات دار النّشر البهائيّة في البرازيل رضوان عام 143 بديع نيسان1986. ص 42-43).
يوضحُ حضرة عبد البهاء في إحدى الالواحِ المباركة هذا الموضوعَ الجليل معززا إياه ببيانِه المبارك :
” في الأدوارِ السابقةِ رغم حصولِ الائتلاف لم يكن تآلفُ من على الارض ممكناً انجازُه وتحقيقُه نظراً لعدمِ وجودِ وسائلَ و وسائطَ الاتحادِ. ظل الارتباطُ والاتصال بين القاراتِ الخمس معدوماً , بل حتى الاجتماع وتبادل الأفكار بين أبناءِ و أهالي قارةٍ واحدة كان مستحيلا ومتعذرا تقريباً. لذلك بات الاتصالُ والتعاملُ والتفاهمُ بين جميعِ طوائفِ العالمِ والعشائر وتبادلُ الأفكارِ فيما بينهم ممتنعا وبعيدَ المنال. أما الآن أصبحت وسائلُ الاتصالِ كثيرةً ومضاعفةً وفي الواقع قاراتُ العالم الخمس غدت قطعةً واحدةً…. وكذلك جميعُ قطعاتِ العالم أي المللُ والدولُ والمدنُ والقرى باتوا يحتاجون بعضَهم بعضا ولا يمكن لأحدٍ الاستغناءُ عن الآخر لأن الروابطََ السياسيةَ موجودةٌ بين الكل والارتباطُ التجاري والصناعي والزراعي والتربيةَ والتعليمَ صارمستحكماً وقويا. فإذاً اتحادُ الجنسِ البشري واتفاقُ الجميع أصبح ممكناً إنجازُه وإحرازُه بلا ريب وليس هذا إلا من معجزاتِ هذا العصرِ المجيد والقرنِ العظيم والقرونُ الماضية كانت محرومةً منه لأن هذا القرنَ هو قرنُ الأنوار وقد مُنِحَ مجدا وبهاءً فريداً و بديعاً وكذلك قوةً وضياءً .. لهذا السبب يُلاحَظ أنه في كل يومٍ تتجلى معجزةٌ جديدةٌ وفي نهايةِ المطافِ سوف تُضئُ شموعٌ منيرةٌ بين جمهورِ العالمِ.
” وتصبح بارقة الصبح لينتشر هذا النور العظيم الساطع ليعمّ العالم …
فالشمعةُ الأولى هي الوحدةُ السياسية التي تبدو تباشيرُ بريقِها واضحةً الآن. والشمعةُ الثانية هي وحدةُ الرأي بالنسبة لتدبير شأن ما عظُمَ من أمورِ الدنيا، وهي وحدة سرعان ما سوف تتحققُ عن قريب. أما الشمعةُ الثالثة فهي الوحدةُ في الحرية وهي أمرٌ لا بد أن يحدثَ. والشمعةُ الرابعة هي الوحدةُ الدينية التي هي حجرُ زاويةِ الأساس والتي سوف تتجلى بإذن الله بكلِ روعةٍ وجلال. وهناك أيضا الشمعةُ الخامسة وهي وحدةُ الأمم والأوطان، وهي الوحدةُ التي لا بد لها أن تتأسسَ بكل قوةٍ وثبات حتى تشعرَ شعوبُ العالم ومللُه جميعُها بأنها تنتمي إلى وطنٍ واحد وبأن مصيرَها مصيرٌ واحد. وما الشمعةُ السادسة سوى وحدةُ الأعراقِ والأجناس ليصبحَ أهلُ الأرض جميعُهم على اختلافِ شعوبِهم وقبائلِهم أبناءَ جنسٍ واحد. وأخيرا هناك الشمعةُ السابعة التي هي وحدةُ اللسان، وتعني أن يتمَّ اختيارُ لغةٍ من اللغاتِ لتكون لغةً عالميةً يتعلمُها الجميعُ ويتحدثون بها. ولسوف يتحققُ كلُ هذا الاتّحادِ دون محالة حسبما تشاءُ القدرةُ الإلهيةُ له من دعمٍ وتأييد.” (قرن الأنوار , الفصل 11, ص )129.
(نداء لأهل العالم-حضرة شوقي أفندي)
ونتابع مع حضراتكم الجزء الثاني والأخير من هذا المقال قريباً…………..تحياتي
[1] هذا التوقيع المبارك صدر عام 1931 وهنا إشارةٌ إلى الحرب العالمية الأولى.